هنا اليمن .. من القاهرة .. اليمنيات فى مصر ينتصرن على الحرب بالبيزنس .. شيماء جاءت من “حجة” لتصنع مخبوزاتها فى مصر.. وأسماء خريجة التجارة التى تعشق الكاميرا.. و لميس تهتم بتفصيل ملابس الأطفال

رسالة نصية قصيرة أو مكالمة هاتفية لا تتجاوز مدتها ثوانى معدودة، تذكرهن بالتجمع الأسبوعى «هذه المرة سيكون فى منزل صديقتنا أم عبدالله»، يذهبن لإحضار كل ما لذ وطاب من طعام وشراب وحتى مشغولات يدوية تم تصميمها حديثا، يجلسن جميعا ويتبادلن أطراف الحديث كل منهن تحكى ما حدث معها طيلة الأيام الماضية، فهذه السيدة الثلاثينية تسرد أغرب المواقف التى جمعتها بالزبائن المصريين عندما أرادوا شراء منتجاتها، وتلك تستعرض صور المخبوزات والكعك التى قضت ليلة كاملة فى تحضيرها التزاما منها بموعد تسليمه، أما الأخيرة فلم تستطع أن تخفى انهماكها بمتابعة الشركات التى ستقوم بتسويق منتجاتهم عبر صفحات السوشيال ميديا، بينما انشغلت السيدة الرابعة مع كاميراتها الخاصة والتى تعد وسيلتها فى التقاط أسعد اللحظات وتسجيلها فى حين أمسكت الخامسة بإبر الحياكة، وأخذت تمارس هوايتها المفضلة فى غزل مفارش «الكروشية».
فى البداية يبدين لك وكأن كل منهن تعيش فى جزيرة منعزلة، نظرا لانتمائهن لمحافظات مختلفة، ولكن هذه الفكرة تذوب تماما مع أول كلمات ينطقن بها، يتساءلن فيها عن أحوال أهاليهن فى موطنهن الأصل «تحدثتوا مع أهلكم فى اليمن كيف يصير الوضع معهم؟»، إجابة هذا السؤال ترويها كل واحدة بطريقة مختلفة فتتعدد التفاصيل وتتنوع، ولكنها تتشابه فى تجسيد حالة القلق الدائم الذى يعشن فيه والتى تتجلى فى محاولاتهن الدائمة لتجاهل النشرات الإخبارية الناقلة للوضع فى موطنهن الأصل «غيرى القناة كفاية أخبار حروب ودمار» يقولن هذا الكلام وأمام أعينهن مشاهد لقتلى وجرحى وتسمع آذانهن صوت القنابل والرصاص وترى أعينهن ظلاما دامسا يخيم على بلادهن ويخفى معه معالمها الجميلة.
خمسة من السيدات اليمنيات اللائى يعشن فى القاهرة قررن التمتع بهامش الحرية الموجود هنا، واستغلال وقت فراغهن لتنمية مواهبهن فى مختلف المجالات حتى تحولت الهواية إلى حرفة ومصدر لكسب الرزق يتناسين معه ما علق فى أذهانهن من ذكريات الحرب التى اخترن الانتصار عليها بـ«البيزنس» حتى أصبحت منتجاتهن معروفة ومطلوبة سواء من قبل أبناء الجالية اليمنية أو حتى داخل المجتمع المصرى.

شيماء جاءت من حجة لتصنع مخبوزاتها فى القاهرة

كغالبية السيدات اليمنيات أنهت تلك الفتاة الثلاثينية دراستها الثانوية، واكتفت ابنة محافظة الحجة المعروفة بطبيعتها الجبلية بالمكوث فى المنزل لحين زواجها، وهذا ما حدث، تزوجت من طالب لم ينه دراسته فى مجال الهندسة بعد، وتركت أسرتها وسافرت معه إلى القاهرة فى إطار منحة التبادل الثقافى بين البلدين، طوال الفترة الماضية كانت تذهب وتجىء من وإلى اليمن حتى عادت لمصر واندلعت الحرب بعد رجوعها بثلاثة أشهر، فاستقرت هنا منذ ثلاث سنوات. «لم أشهد الحرب يوما واحدا ولكن يكفى أن أشعر بالرعب والقلق على أسرتى التى مازالت هناك حتى وقتنا هذا».
ساعات وأيام طويلة قضتها شيماء أو أم «يمن» كما تحب أن يناديها الناس، فى انتظار ما لم يحدث، تراقب هاتفها المحمول، على أمل أن تأتيها رسالة تطمئن قلبها بأن الأوضاع سارت على ما يرام، بدأ الخوف يأكل من روحها تدريجيا فرفضت أن تستجيب له فكرت كثيرا فى وسيلة تمكنها من القضاء على وقت فراغها وفى الوقت نفسه تساعد أسرتها على العيش، خاصة أن مصاريف المنحة التى ترسلها الحكومة اليمنية لأبنائها من الطلاب فى مصر تتأخر كثيرا بسبب الحرب هناك، فهداها عقلها للبدء فى مشروع لـ«المُعجنات». فى البداية كنت أصنع نوعا شهيرا من الحلوى اليمنية وهو الهريسة، كان الإقبال عليه كثيرا خاصة من أبناء الجالية اليمنية الذين يفتقدون هذا النوع من الأطعمة، ومع توافد اليمنيين على مصر، بدأ كثيرون فى تصنيعها فقررت أن أتجه لنوع آخر، وهو المعجنات، وساعدنى على هذا مساحة الحرية التى أتمتع بها فى مصر من حيث الحركة وسهولة الخروج والذهاب دون مرافق عكس اليمن».
مثلما اختارت شيماء أن ترافق زوجها فى رحلته التعليمية، ساعدها الأخير فى تحقيق هدفها وتنمية موهبتها حتى أصبحت مخبوزاتها داخل غالبية البيوت اليمنية «أصنع أكلة تسمى بيت الصحن والسلتة اليمنية التى أعدها فى طواجن خاصة بها بخلاف مُعجنات أخرى لا غنى عنها مثل الذمول وكعك التمر، تعاقدت مع مطاعم يمنية بخلاف تحضير كميات للمناسبات من أفراح وحفلات وحتى مؤتمرات مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه، أفعل كل هذا وبجانبى زوجى رفيق الرحلة ساعدنى كثيرا لإتمام مشروعى، وعندما تتزايد طلبات الزبائن يقوم بإعداد الحلويات بنفسه فى حين اكتفى أنا بتحضير المعجنات».
تقول أم يمن عن فكرة التواصل مع أهلها: بالتأكيد هناك صعوبة فى التواصل طوال الوقت مع عائلتى بسبب انقطاع الكهرباء وكل ما أتمناه هو أن يكبر مشروعى ويتحول إلى مطعم أو كافية كبير تقدم فيه هذه المنتجات، وأتمنى أن يحدث كل هذا فى بلدى التى أحلم بالعودة إليها، خاصة أن محافظتى يفتقد سكانها هذا النوع من المعاملات التجارية فلا يوجد محلات توفر هذه المعجنات أو الحلوى ويقتصر الأمر على قيام كل سيدة بتحضيرها فى منزلها فقط.
فى أحدث تقاريره الصادرة عام 2014 قدم البنك الدولى توصيفا دقيقا لوضع السيدات فى اليمن، حيث أشار إلى أن عدد النساء اليمنيات اللواتى يشاركن فى سوق العمل قليل جدا، وغالبية النساء اللواتى يعملن، خاصة المرأة الريفية، يعملن بدون أجر، فى القطاع غير الرسمى وفى المزارع أو فى المشاريع السرية، كما أن الفتيات اليمنيات تخلفن كثيرا عن الفتيان من حيث مستويات التعليم، بالإضافة إلى أن الفرص المتاحة للمرأة للحصول على الرعاية الإنجابية مازالت محدودة.
اسماء-ردمان-المصوره‎ اسماء ردمان المصوره‎

«أسماء» خريجة التجارة التى تعشق الكاميرا

تحرص دائما على التقاط صور شخصية لها، تثير دهشة المحيطين بها لما تفعله. «إنتى مجنونة تصوير» كلمات تسمعها فى البداية كانت تسخر منها حتى تحول الأمر معها إلى هواية لتصوير كل شىء، فسألت نفسها «بما أننى أعشق التصوير لماذا لا أصبح مصورة محترفة».
كان الإمساك بالكاميرا حلما يراود أسماء ردمان ابنة مدينة تعز والتى تخرجت فى كلية التجارة، وعملت لفترة فى مجال السكرتارية قبل انتقالها إلى مصر منذ ثلاث سنوات واحترافها للتصوير الفوتوغرافى. «عشنا فى اليمن حياة كريمة، وكان وضعنا ميسورا جدا، تخرجت فى كلية التجارة وعملت سكرتيرة فى إحدى الشركات، فى البداية كنا ننتقل ما بين مصر واليمن حتى جئنا فى 2015 مع اندلاع شرارة الحرب بهدف علاج والدى ثم قررنا الإقامة الدائمة بسبب تدهور الأوضاع فى اليمن».
«أسماء» التى هجرت اليمن برفقة والدها وأمها وجدتها للعيش فى القاهرة بعدما قرر أشقاؤها الاستقرار مع أزواجهم فى السعودية، احترفت التصوير الفوتوغرافى بعدما تلقت تدريبات عديدة على يد مصورين مصريين لم يبخلوا يوما عليها بالنصيحة أو التوجيه قائلة: تعاونوا معى كثيرا فى البداية وتحول الموضوع بالنسبة لى من هواية لمصدر دخل، خاصة بعدما نلت شهرة كبيرة، وأصبحت مصورة رئيسية حاضرة فى كثير من المناسبات اليمنية، بالإضافة لجلسات التصوير التى أنظمها للمنتجات وعروض الأزياء. حاولت ابنة مدينة تعز أن تنمى هواياتها تلك فى اليمن ولكنها فشلت «فى اليمن عمل السيدات فى هذا المجال مقتصر فقط على وجودهن داخل استوديوهات التصوير لا توجد مصورة تتنقل هنا وهناك بشكل حر وفى رأيى الشىء الوحيد الإيجابى فى الغربة إنى وجدت نفسى بعدما ضللت الطريق إليها منذ سنوات طويلة».
على الرغم من وصولها إلى غاياتها فإن كلماتها تلك لا تخفى القلق الذى يسكنها بشأن وطنها «الأيام المرعبة هذا أقل وصف يمكن أن نقوله عن الشهور الأولى التى قضيناها قبل انتقالنا لمصر لا يمكن أن يتخيل أحد إحساس شخص ينام ويستيقظ على أصوات الرصاص والقنابل، أن يرى زجاج المنزل مُحطما ومتناثرا حوله فى كل مكان، فجأة تتحول بيئته الآمنة إلى ساحة قتال ورعب».. «يدعو أبى فى كل صلاة أن يحفظ الله مصر واليمن، فسألته ذات مرة: يا أبى أليس نحن أولى بالدعاء؟ فيقول مصر هى الدولة التى تحملتنا ونعيش فى ظلها ونحتمى فيها وبدونها لأصبحنا تائهين فى بلدان العالم» هكذا ختمت أسماء حديثها مضيفة أن سر سعادتها الحقيقى هو أنها عندما تعود لوطنها ستكون بشخصية جديدة تماما هى الأقرب لقلبها «شخصية المصورة المحترفة».
يقع العنف المنزلى فى المجتمع اليمنى، عندما تخرج المرأة عن طوع الأدوار الأسرية والسلوكيات التقليدية الخاصة بالنساء سواء فى المجالات العامة أو الخاصة، كما تتعرض النساء للعنف الأسرى عندما تمر الأسرة بضائقة أو ظروف اقتصادية صعبة، وتشير الإحصائيات التى قدمها البنك الدولى فى تقريره الصادر عام 2014 إلى أن %37 من اليمنيين يرون أن العنف ضد المرأة مبرر فى حال رفضها للأوامر.
ام-عبد-الله---رويدا‎ ام عبد الله رويدا‎

«رويدا» قتلت فراغ الغربة بالحلوى

ملل الفراغ والرغبة فى القضاء عليه، العامل الأساسى الذى دفع رويدا شمسان أو أم عبدالله كما تُعرف داخل المجتمع اليمنى فى مصر، لتلقى دورات تدريبية فى كيفية تزيين الحلويات وعمل الديكورات اللازمة للمناسبات المختلفة بخامات غذائية.
جاءت «رويدا» التى قضت جزءا كبيرا من حياتها فى مدينة تعز ثم العاصمة صنعاء، إلى مصر منذ ثلاث سنوات، فى البداية جاءت برفقة والدها ووالدتها وابنها الذى لم يتخط عمره وقتها شهورا معدودة، ولحق بهم بعد ذلك زوجها الذى جاء للاستقرار والعمل. فى اليمن كانت هوايتى المفضلة هى صناعة الحلوى «تورتة وجاتوه» بعد انتقالى لمصر بفترة صغيرة بدأت أشعر بالملل والفراغ، فكرت كثيرا فى كيفية قضاء الوقت فشاركت فى دورات تدريبية على يد متخصصين وأصبحت ماهرة فى صناعة الحلويات وتزيينها.
انتقال أم عبدالله لمصر جاء بعد انقضاء ثلاثة أشهر على بداية الأحداث فى اليمن «كنا نتنقل ما بين مصر واليمن، نسافر للأولى تحديدا فى الصيف نقضى بعض الأيام ثم نعود، ولكن عندما تطورت الأحداث فى اليمن جئنا بهدف الاستقرار فلم يعد أحدنا يتحمل العيش وسط هذا الكم من الخراب والدمار». تحولت السيدة الثلاثينية من أم عادية لأخرى ذاع صيتها بين المصريين واليمنيين، على حد سواء، فقط عندما قررت أن تستغل موهبتها «أصنع حلويات لمختلف المناسبات وزبائنى من المصريين واليمنيين خاصة أن أسعارى معقولة وفى متناول الأيدى». كسابقتها تتمنى أم عبدالله تحسن الأوضاع فى اليمن لتعود إليه متمسكة بالمجال الذى اختارته لنفسها «على الرغم من قدر الحرية الموجود هنا فى مصر فيكفى أننى كسيدة قادرة على الخروج لشراء أغراضى ومستلزمات المنتجات إلا أننى أتمنى العودة لليمن، وأن يصبح لدى محل كبير للحلوى تتوزع أصنافه فى الداخل والخارج».
تعوق بعض القوانين اليمنية بشكل مباشر قدرة النساء على الوصول إلى الفرص الاقتصادية، فعلى سبيل المثال، وبموجب قانون الأحوال الشخصية لسنة 1992م، يتوجب على النساء طاعة أزواجهن، كما يتوجب على المرأة المتزوجة الحصول على موافقة ولى أمرها الذكر لتقديم طلب للحصول على جواز السفر، ومنذ 1998م، يتوجب على النساء المتزوجات الحصول على إذن من الزوج للعمل خارج المنزل.
لميس-عبد-الله لميس عبد الله

«لميس» صديقة إبر الكروشيه

كانت حياتها تسير برتم عادى، تستيقظ صباحا وتذهب لمحل عملها بإحدى الجامعات الخاصة، حيث تعمل فيها مسؤولة القبول والتسجيل، ثم تعود فى المساء لبيتها أو لشراء بعض المستلزمات برفقة صديقاتها، حتى اشتعلت نيران الحرب فقررت أن ترافق والدها فى رحلته العلاجية لمصر بصحبة والدتها وشقيقتها الصغرى التى كانت تدرس من البداية فى مصر وتتنقل ما بين هنا وهناك، بالإضافة إلى شقيقتها الكبرى التى تزوجت واستقرت فى مصر قبل مجيئهم بشهور قليلة.
لم تجد لميس عبدالله، ابنة مدينة صنعاء، سوى إبرة الكروشيه لتعينها على قضاء وقت فراغها «أحب الكروشيه كثيرا وأثناء وجودى فى اليمن كنت أصمم بعض المنسوجات الصغيرة لأفراد أسرتها حتى تحول الأمر بالنسبة لى لهواية، وعندما أتيت لمصر منذ عامين ونصف فكرت كثيرا فى استغلال هذه الهواية وتنميتها خاصة فى ظل توافر قدر كبير من الحرية هنا مما يسهل علينا الحركة والتنقل وبالفعل شاهدت عددا كبيرا من المقاطع التعليمية عبر الإنترنت، ومع التدريب نفذت أكثر من تصميم لاقت جميعا إعجاب أصدقائى وأقاربى فور وضع صورها على صفحات السوشيال ميديا الخاصة بى».
دخلت لميس هذا المجال منذ عامين ولم تتوقع يوما أن تلقى مشغولاتها هذا القدر من الشهرة داخل المجتمع اليمنى وتحتل مقدمة طاولات العرض فى الاحتفالات والمناسبات العامة «قررت أن أتعامل مع الموهبة بشكل محترف خصصت صفحة للمشغولات على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» وكل تصميم انتهى منه، أضع صورته على الصفحة، فيكثر الإقبال عليه، بالإضافة لعرض هذه التصميمات فى الاحتفالات والمناسبات العامة مما حقق لها رواجا كبيرا».
على الرغم من النجاح الكبير الذى حققته لميس فى مجالها والذى تحلم حتى وقتنا هذا بالتوسع فيه أكثر وتخصيص ورشة لتصميم منتجاتها وبيعها فإنها لم تنس الفترة التى قضتها فى موطنها الأصل عندما بدأت الحرب: كانت خمسة شهور بمثابة حرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى كل يوم لدينا أحداث جديدة وقتلى ومصابون جدد، وفى النهاية من يسمع ليس كمن يرى، ولكن هذا لا يمنع أننى أحلم بالعودة مجددا.. وتتولد لدى الرغبة فى العودة مع كل مرة أتحدث فيها لأهلى الباقين فى اليمن نسألهم عن أحوالهم فيخبروننا أن كل شىء يسير على ما يرام ويطلبون منا الرجوع.. الناس تكيفت مع الوضع اختبأوا أول شهر فقط فى منازلهم وبعد ذلك خرجوا مارسوا حياتهم بشكل طبيعى.. وفى النهاية يبقى السؤال لمن سنترك بلدنا؟
من المعروف أن فترات النزاعات وما بعدها قد تشكل فرصا أمام النساء لتقلد أدوار جديدة فى مجتمعاتهن والسبب فى ذلك هو تراجع معايير الأعراف الثقافية المتعلقة بالنوع الاجتماعى كنتيجة لحاجتها الاقتصادية الملحة، خاصة فى ظل تزايد المصاعب فى الحصول على الغذاء والوظائف وتردى الوضع الأمنى.
فلة-الفقيه فلة الفقيه

«فلة» عمدة اليمنيين فى مصر

فلة الفقيه اسم يتردد بكثرة داخل الأوساط اليمنية، فعلى الرغم من صغر سنها فإنها استطاعت أن تحظى باحترام الجميع لعروض المساعدة ويد العون التى تقدمها للصغير قبل الكبير.
فى 2005 جاءت فلة ابنة مدينة صنعاء برفقة زوجها المصرى، واستقرت هنا، رُزقت بثلاثة أطفال أكبرهم فى الثانية عشرة من عمره وأصغرهم يبلغ عام ونصف العام، فى البداية استغلت دراستها لمجال الدراسات الإسلامية، فى تدريس اللغة العربية فى المعاهد والمدارس الخاصة وانتهى بها الحال لإعطائها دروسا خصوصية للأطفال فى المراحل التعليمية المختلفة «اطلعت على المناهج المصرية جيدا وراجعت كل نماذج الامتحانات الحديثة والقديمة لمساعدة الطلاب اليمنيين على الإلمام بالمواد الدراسية قبل الامتحانات لتحصيل أفضل الدرجات، وتدريجيا ذاع صيتى وزاد الإقبال علىَّ، أتذكر جيدا اتصالات أولياء الأمور بى لمساعدة أطفالهم قبل إجرائى لعملية الولادة بساعات قليلة».
تركت فلة مجال التدريس بعد 11 عاما من العمل فيه، واتجهت للتجارة الإلكترونية بالتعاون ودعم مع مجموعة شركات مصرية والتى تقوم بتسويق المنتجات لهم عبر الإنترنت: خلال فترة النفاس اشتريت بعض المستلزمات عن طريق الإنترنت من إحدى الشركات وعرضت عليهم فيما بعد أن أعمل مندوبة لديهم مقابل نسبة ومن هنا جاءت الفكرة يوما بعد يوم نشطت التجارة وأصبحت المسوقة الرسمية للعديد من الشركات».
لم تكن التجارة الإلكترونية هى السبب الرئيسى وراء شهرة فلة الفقيه داخل المجتمع اليمنى، ولكن ما تقدمه من مساعدة لأبناء الجالية اليمنية الذين يأتون لأول مرة لمصر «الموضوع بدأ عندما طلب منى أحد الأشخاص اليمنيين المساعدة خلال وجودنا معا فى السفارة سألنى إن كنت أعرف مكانا جيدا يستأجر فيه سكنا لأسرته وعندما ساعدته، تحدث عنى مع أصدقائه وأقاربه القادمين من اليمن وبدأ الكل يطلب مساعدتى واسمى يتردد فى كل مكان».
تقول «فلة» عن نفسها: «بالتعاون مع زملائى نساعد أبناء الجالية اليمنية فى الحصول على خدمات مختلفة متعلقة بالسكن أو رحلات سياحية ورعاية طبية من مستشفيات وأطباء فقط وليس لنا علاقة بالخدمات القانونية، لأنها من اختصاص الجهات المعنية فى الدولة التى نقيم فيها. بعدما نجحت فلة فى تشكيل هذا المجتمع البديل أصبح لديها رغبة فى البقاء الدائم بمصر وعدم العودة إلى اليمن «أولادى تربوا فى مصر داخل مدارس مصرية وعملى هنا وأعيش حياة آمنة مستقرة ويتعامل معنا المصريون بطيبة وكرم فلماذا أفكر فى العودة خاصة أنه لا يوجد لدى دافع للقيام بهذا فوالدتى توفاها الله وأبى تزوج من أخرى ويعيش حياته برفقة أولاده منها».