ياسر رزق يكتب: «حسم».. والصدام الذي يبدو محتوماً!

[ad_1]

 

«إذا لم يكن هناك مفر من التدخل؛ فلابد أن الرئيس السيسي قد رسم في ذهنه خارطة طريق الدخول، ومعها إستراتيجية الخروج»

قبل أن ينقل قدمه من موضع إلى آخر، لابد أن يكون قد عاينه، فلا يتعثر في حفرة، ولا يقفز إلى فراغ.

هكذا اعتاد الرجل في حياته وتعاملاته، وهكذا تعودنا منه في إجراءاته وقراراته.

يعرف عنه المقربون أنه لا يقول ما لا يفعل، ويعرف عنه الشعب أنه لا يتعهد إلا بما ينوي ويقدر.

لذا.. حين أعلن منذ ثلاثة أسابيع عن خط أحمر هو خط (سرت/ الجفرة)، وحذر من رد عسكري مصري إذا جرى تجاوزه، أضيئت إشارات الخطر هنا في المنطقة وخارجها، وأدركت القوى العظمى والإقليمية أن التحذير المصري صارم وحازم وأنه يتخطى مرحلة خطاب الردع المبطن إلى التهديد بالعمل المباشر.

قبل أن تدخل قواتنا المسلحة إلى ليبيا – إذا دخلت – وقبل أن تتدخل ضد تحالف العدوان التركي المدعوم بميليشيات المرتزقة على الأراضي الليبية، إذا لم يكن هناك مفر من التدخل، فلابد أن القائد الأعلى للجيوش المصرية الرئيس عبدالفتاح السيسي قد رسم في ذهنه خارطة طريق الدخول وإستراتيجية الخروج.

قبل أن يحدد متى سندخل، لا شك أنه أجاب مسبقاً على أهم الأسئلة وهو كيف سنخرج؟!

العلوم العسكرية تقول، كذلك يروى لنا تاريخ الحروب: إنه من السهل جداً تحديد توقيت بدء المعركة، لكنه من الصعب جداً تحديد موعد نهاية القتال.

في منطقة «حباطة» حيث يوجد أقرب مطار عسكري من الحدود المصرية الليبية، جرت المناورة (حسم-2020) على مدار الأسبوع الماضي.

يوم الخميس الماضي، حضرت مع زملاء من كبار الصحفيين والإعلاميين المرحلة الرئيسية للمناورة، التي شهدها الفريق أول محمد زكي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، والفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة.

القائدان تجمعهما رفقة سلاح تمتد منذ التحاقهما في نفس السنة بالكلية الحربية.

ويجمعهما بالقائد الأعلى للجيوش المصرية مشوار عمر منذ تخرجوا معا قبل 43 عاماً مضت.

نفذ المناورة اللواء المشاة الميكانيكي التابع للفرقة 21 المدرعة التي شهد الرئيس السيسي القائد الأعلى طابور اصطفافها منذ 3 أسابيع.

هذه ليست المناورة الأولى التي تجريها القوات المسلحة خلال الشهور الأخيرة في هذا الاتجاه الاستراتيجي الغربي، أو على الاتجاهات الاستراتيجية الأخرى. فالأنشطة التدريبية مستمرة ولا تنقطع غير أن معظمها لا يعلن عنه.

لهذه المناورة أغراض عدة، أهمها أن تطمئن القيادة العليا والعامة على جاهزية القوات لتنفيذ أي مهام تطلب منها في أي وقت وبأعلى كفاءة، وأن تتلافى أي ملاحظات قبل التنفيذ عندما يحين الحين، وأن يطمئن الشعب على أن قواته قادرة على الدفاع وعلى القتال -إذا لزم الأمر- لحماية الأمن القومي للبلاد والمجال الحيوي للدولة، وأن يرتدع من توسوس له أطماعه بتجاوز الخط الأحمر المصري، بقوة الجيوش المصرية، فيرعوى وينصاع لنداء العقل.

ربما يظن البعض أن خط (سرت – الجفرة) على مقربة من خط الحدود المصرية الليبية. الحقيقة أنه يبعد عن الأراضي المصرية مسافة 900 كيلومتر أي أبعد من المسافة بين السلوم وبورسعيد.

غير أن السماح لقوات الغزو التركي المتحالفة مع العناصر المسلحة والميليشيات الإرهابية التي دخلت الأراضي الليبية بغطاء من حكومة فايز السراج العميلة والمنتهية شرعيتها، بتجاوز الخط الأحمر واحتلال هلال النفط الليبي والوثوب إلى مدن السهل الساحلي في شرق ليبيا، معناه فتح الأبواب على مصارعيها أمام ميليشيات الإرهاب لتهديد الأراضي المصرية.

لا يوجد إنسان عاقل يهوى الحرب، لا سيما إذا كانت في مواجهة من ينتمي مثلهم إلى نفس الأمة.

لكن التهاون في مواجهة الفئة الباغية، هو تفريط في حقوق الشعوب وفي حقوق الأمة ذاتها.

لذا فإن المناورة «حسم-2020»، إذا كانت تحمل رسالة ردع للفئة الباغية وهم قوات الأغا العثمانلي إردوغان وحلفاؤه المرتزقة والإرهابيون، فإنها تحمل رسالة براءة لكل الأمة من أعمال الباغين وعزم على مواجهتهم إذا لم يكن من الأمر بد.

على مدار 33 عاما، أحضر مناورات القوات المسلحة وأنشطتها بالداخل والخارج.

هذه واحدة من أوضح المناورات في أهدافها، وأكفأها في التنفيذ، وأدقها في نتائج الرماية.

الفكرة التكتيكية للمناورة (حسم) تقوم على التصدي لهجوم من جانب قوات معادية مدعمة بميليشيات إرهابية وعناصر مسلحة، وتدميره، واستعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، ولعلها هنا الأوضاع عن خط (سرت- الجفرة).

معركة أسلحة مشتركة، شهدتها أعمال المناورة، بالتعاون بين القوات المدرعة المسلحة بالدبابات (إم- ٦٠- أ- ٣) ومركبات القتال (بي- إم- بي) ومدفعيات الضرب المباشر وقواذف المدفعية الصاروخية طراز (بي- إم – ٢١)، وعناصر القوات الخاصة التي يتم إبرارها بطائرات الشينوك، ومنظومات الدفاع الجوى (شيلكا) والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات المسلحة بها الهليكوبتر الهجومية طراز (أباتشي).

وكان للقوات الجوية دور بارز في المناورة بمشاركة أحدث طائرات القتال الجوى طراز (رافال) و(ميج – ٢٩ المعدلة) بجانب طائرات المعاونة الأرضية طراز (ألفاجيت).

ومع المزج المتمكن في استخدام منظومات التسليح الأمريكية والروسية والفرنسية والمصرية في عملية واحدة لتنفيذ مهمة واحدة، كانت دقة إصابة الأهداف في أعلى مستوياتها من جانب كافة وسائل إنتاج النيران من الطائرات والمدفعيات والمدرعات.

ساعتان تقريبا، شهدنا خلالهما أعمال المناورة، بينما هى تستغرق في الواقع أثناء المعركة يوماً على وجه التقريب.
بعبارة موجزة لخص الفريق أول محمد زكي الموقف المصري قائلاً: «نحن لا نتدخل في شئون أي دولة، لكننا لا نسمح بأن تكون دولة جوار منطلقا لتهديد الأمن القومي المصري ومصالح ومقدرات الشعب. لذا أعلن الرئيس السيسي القائد الأعلى عن الخط الأحمر الذي لا نسمح بتجاوزه، ونحن على أتم استعداد لمواجهة أي تهديد».

في اليوم السابق على إجراء المرحلة الرئيسية للمناورة «حسم»، نفذت قواتنا البحرية مناورة كبرى ضمن هذا النشاط التدريبي، شاركت فيها ٤٠ قطعة بحرية منها غواصتان طراز (٢٠٩) الألماني المتطور، وهو عدد هائل من القطع البحرية، يعكس عزم القيادة المصرية الذي لا يلين على عدم التهاون إزاء أي تهديد وتصميم على دحر مصادر التهديد وتدميرها تدميراً.

من حق الشعب أن يتخوف من أن يكون الوضع في ليبيا هو مستنقع يراد استدراج الجيش المصري إليه ليخوض فيه، بينما هناك خطر آخر أشد عند الجنوب، متمثل في عزم إثيوبيا على ملء سد النهضة دونما اتفاق مع مصر والسودان، وخطر ثالث لم ينته بعد متمثل في بقايا جيوب ميليشيات الإرهاب في شمال سيناء.

لكن يحق للشعب أن يطمئن على حاضره ومستقبله، ويعرف أن قائده على وعي بالمخاطر ودراية بدروس التاريخ ومقدرة على استخدام السياسة في حيث موضعها، وتسديد السلاح إلى حيث أهدافه.

الذي عليه أن يقلق حقاً بل يرتعد خوفاً هو الجيش التركي، الذي يقتاده أحمق أنقرة إلى الغرق في الرمال المتحركة الليبية، مثلما اقتاده إلى الانغماس في عداء مع شعبي العراق وسوريا بعدما احتل أجزاء من شمالي البلدين العربيين الجارين، وترك في نفوس الشعوب العربية أحقاداً تعيد إلى الأذهان تلك التي احتفرت إبان الاحتلال العثماني للدول العربية.

ربما كانت إسرائيل وهى العدو التاريخي والتقليدي للأمة العربية، المستفيد الأكبر في الذهنية العربية من غزو العراق للكويت وما استتبعه من حرب تحرير الكويت وحروب تدمير العراق، وكذلك من أحداث الربيع العربي في سوريا وليبيا ومصر واليمن.

لكن مجريات الأحداث أثبتت أن تركيا وليست إسرائيل هى المستفيد الأكبر من زمن الجزر العربي، وأنها تسابقت مع إيران حيناً ونسقت معها أحيانا لتقسيم مناطق النفوذ بينهما على الأرض العربية والسواحل العربية، وملء الفراغ الممتد من الساحل الشرقي للمتوسط إلى جبال زاجروس على الحدود العراقية الإيرانية.

وهكذا امتدت تركيا بنفوذها ووجودها العسكري من شمالي العراق وسوريا إلى قطر وسودان البشير إلى غرب ليبيا إلى جنوب مضيق باب المندب في الصومال وشرق أفريقيا.

وينافس تركيا في هذه الاستفادة إيران التي تغلغلت في الأراضي العراقية والسورية واللبنانية واليمنية وتحكمت في القرار العربي في عدد من العواصم العربية عبر وكلائها من الأنظمة الحاكمة أو القوى السياسية المتحكمة.

وإذا كان ثمة امتنان لنظام أردوغان في تركيا ونظام الملالي في إيران من جانب إسرائيل فهو أنهما حولا مشاعر الكراهية العربية من إسرائيل إلى بلديهما بصورة لم يسبق لها مثيل منذ نكبة ١٩٤٨..!

يحرك تركيا في أطماعها بالأرض العربية، مثلما يحرك إيران، الإرث الاستعماري العثماني والفارسي.

وبينما تتدثر الأطماع الإمبراطورية التركية بعباءة الإخوان، تتزمل الأطماع الإمبراطورية الإيرانية بغطاء المقاومة.

ومنذ تسلط رجب طيب أردوغان على مقاليد الأمور في تركيا رئيسا للوزراء ثم رئيسا للجمهورية، بدأ في عملية مد نفوذ ذكية لتحقيق أطماعه، بدأت بالقوى الناعمة متمثلة في المسلسلات العاطفية والتاريخية واستقطاب الكتاب والمفكرين الإسلاميين للتحلق حول فكرة قلب الخلافة الذي ينفض عن نفسه الضعف ويسعى لجمع «شتات» الأمة.

ورويداً رويداً، بلغ النفوذ التركي ذروته، حين امتد من تونس إلى ليبيا إلى مصر تحت حكم الإخوان، ثم دول الخليج التي انخدع بعضها بالخطاب المراوغ التركي، وتمدد الوجود التركي إلى أراضى شمال العراق وشمال سوريا بالغزو المباشر والاحتلال وإنشاء الجيوب والمناطق العازلة.

وفي خضم ما يجري بالمنطقة من جانب تركيا وإيران وسط صخب أحداث الربيع العربي، أخذت إسرائيل تنفذ في هدوء خطتها للقضاء على فكرة قيام دولة فلسطينية أو الدفع بتنفيذها على حساب أراض مصرية في شمال سيناء أثناء حكم الإخوان الذي لم يجد أي غضاضة في التفريط في التراب الوطني.

غير أنه وقع ما لم يكن في الحسبان..!

حين وقعت ثورة ٣٠ يونيو عام ٢٠١٣، كظمت إيران غضبها، وابتلعت إسرائيل خيبة أملها، لكن جن جنون حاكم تركيا، الذي قضت الثورة المصرية على أوهامه بإحياء دولة الخلافة العثمانية وانحسر غطاء الإخوان تدريجياً من دول شمال أفريقيا.

حاولت تركيا ضرب نظام ٣٠ يونيو بشتى الوسائل، عبر الحملات السياسية في دول العالم والمنظمات الدولية، وعبر تدريب الميليشيات الإرهابية شمال سيناء والتحالف مع قطر لتمويلها وتسليحها، وعبر توفير الملجأ والملاذ لكوادر وعناصر الإخوان المجرمين الهاربين من مصر، وإطلاق المحطات الفضائية والمواقع الإلكترونية وحملات التواصل الاجتماعي المعادية لثورة ٣٠ يونيو ونظامها، وعبر محاولات الالتفاف على مصر جغرافيا وتطويق دوائر الأمن القومي المباشرة لمصر.

لكن مصر أخذت تستفيق بقيادة رئيسها عبدالفتاح السيسي الذي صبر على كل هذه المحاولات وأخذ يبني في سرعة ودون ضجيج مصر كقوة إقليمية كبرى، ثم كقوة عابرة للإقليم قادرة على الردع والرد بالأدوات السياسية والعسكرية وحماية المجال الحيوي لمصر وحدودها الجيوسياسية.

وإذا كانت ليبيا مرشحة كساحة لمعركة مرتقبة لوقف التمدد العثماني على الأرض العربية، وإجهاض الأطماع التركية في ثروات ومقدرات العرب، فإن الصدام كان يبدو من زمن محتوماً بكل الوسائل الاستراتيجية من إعلام ودبلوماسية وسلاح، بين مصر وتركيا، وكأنهما قطاران يندفعان بسرعة وعنف على خط حديدي واحد في اتجاهين متضادين…!
 



[ad_2]

المصدر